.. محمود عادل رفضت المدارس قبوله لإعاقته الذهنية.. فحصد بطولة العالم للسباحة مرتين

.. محمود عادل رفضت المدارس قبوله لإعاقته الذهنية.. فحصد بطولة العالم للسباحة مرتين

بداية الحكاية.. منذ ما يقرب من 20 عاما من الآن، حصلت نجاح ذكى عبد السلام، على بكالوريوس خدمة اجتماعية، عملت طوال فترة دراستها بمؤسسات ومراكز التأهيل الخاصة برعاية الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، وأجرت العديد من الدراسات على الفئة نفسها، فيما يتعلق بطرق تعامل الأسرة معهم، ومدى اهتمامهم بهم. تعلقت “نجاح” كثيرا بالأطفال الموجودين بأحد المراكز الداخلية بمنطقة المطرية، وأجرت أبحاثا عنهم، واهتمت بمعرفة أسباب ترك أسرهم لهم، وإذا كان هناك اهتمام من جانبهم خلال تواجدهم بالمركز، والسؤال عنهم، وكان ذلك لتعاطفها الشديد لما يلقاه “ذوى الاحتياجات” من إهمال فى مجتمعنا. لم يدم عملها لفترة طويلة، ليأتى موعد زواجها من عادل محمد عبد الحافظ، لتبدأ حياة جديدة بأحلام وردية، مودعة عملها كأخصائية اجتماعية، وهموم الحياة الوظيفية، وبعد مرور ما يقرب من عام على زواجها، حملت “نجاح” وعلمت أن الجنين ولد، لتبدأ برسم مستقبل له وبإلحاقه بأفضل المدارس، لضمان تلقيه مستوى مميز من التعليم. لحظة ميلاد بطل .. بدأ الجنين فى النمو، فى انتظار لحظات مولده، فى كل يوم يشعر بأدوات طبيب يطمئن على تطوره وعمره، وجودة عمل أجهزته، إلا أن فى أحد الكشوفات شعرت “نجاح” ببعض من القلق، عقب رؤيتها لملامح جنينها قرب مولده، وباتت متيقنة أن القدر يخفى لها شيئا لم تتوقعه، واتخذت قرارا بالانتظار لحين حضوره والاطمئنان عليه. فى صباح يوم 11 إبريل 1994، شعرت “نجاح” بآلام الولادة، ليعلن الجنين أنه قرر المجىء لحياتها، ليبشرها طبيبها بحضور طفلا جميل ذات ملامح مميزة صغيرة، اختار الوالدان “محمود” ليكون اسما له، لكونه واحدا من أغلى الأسماء لديهم. بدأت أسرة “محمود” فى زيارة والدته للاطمئنان عليها، ورؤية مولودها، وأبدوا إعجابهم بملامحه اليابانية الجميلة، لكن إحساس “نجاح” حدثها بأن ما كانت تشعر به صحيح، واصطحبت طفلها بعد ولادته بأسبوع لطبيب أطفال، طالبهم بإجراء مجموعة من الفحوصات الطبية، ليؤكد الطبيب أن محمود طفل “داون” المعروفة بمجتمعنا بالطفل المنغولى، والذى يعانى فيه الطفل نوعا من التأخر الذهنى أو العقلى. لتأتى وقتها بذاكرة الأم صور الأطفال الذين طالما عملت معهم وأجرت دراسات عليهم، والتى لم تتخيل أنها يوم ترزق بطفل مثلهم، أما “عادل” فلم يستطع قول أى شىء سوى سؤال وجهه للطبيب “هل سيستطيع ابنى أن يعلم أننى والده؟”. وعد.. ترك “نجاح” و”عادل” عيادة الطبيب، وبداخلهم أسئلة كثيرة، كيف سيتعاملان مع ابنهما؟ ماذا عن أسرتهما؟ هل سيقبلون الطفل ويعاملونه معاملة جيدة؟ هل سيتعرف عليهما؟ وقتها اتخذت الأم قرارا وطالبت زوجها بأن يعاهدا “محمود” ألا يخبرا أحدا من أسرتهما، بأنه يعانى مرضا، والتعامل معه أنه طفل طبيعى. اتفقا على فرض ابنهما كطفل طبيعى على مجتمع رافضا لاستيعاب تلك الفئات، ورفض أن يكون رد أحد على تصرفه بالتعاطف، ووصفه “بالمتخلف”، لكن تلك الوعود جميعها لم تمح القلق من المجهول من داخل قلوبهم، إلا أن التماسك والقوة مع الإصرار بنفس “نجاح” كانوا داعمين لها، لتخطى تلك اللحظات. قوة الإرادة تحقق الأهداف بدأت “نجاح” منذ تلك اللحظة فى استعادة دراستها، بالخدمة الاجتماعية، وأبحاثها عن الأطفال من فئة “محمود”، وكيفية إكسابه مهارات الذكاء المكتسب من البيئة والاجتماعيات، وبعد مرور عامين ألحقته بأحد مراكز التخاطب، لتعلمه الحديث رغبة فى إلحاقه بالمدارس، وعملت من خلال خبرتها الشخصية على تنمية مهاراته اليدوية والتآزر بين الأيدى والعين، وتحرص على حضور الجلسات، لتتمكن من تدريبه، واستمر ذلك حتى عمر 3 سنوات. بلغ “محمود” عامه الرابع، لتبدأ والدته فى البحث عن “حضانة” لإلحاقه بها، إلا أن الأماكن المجاورة لها جميعها رفضت انضمامه، لاختلاف ملامحه عن باقى الأطفال، لم تهتز ثقة “نجاح” فى ربها، وأنه سيساعدها فى تحقيق أهدافها، واستمرت فى البحث حتى وصلت إلى إحدى الحضانات البعيدة عن مقر بيتها، وافقت على إلحاق الطفل بها، عقب توسط أحد أقارب مالكها بالأمر. لم تقبل الأم، قبول ابنها تحت ضغط، لعدم ارتياحها لما قد يلقاه “محمود” فى حال تركه وحيدا بالفصل، وحاولت إقناع جميع المسئولين عن الحضانة أنه أبدا لن يكون عنصرا مؤذيا لمن حوله، وأن أطفالا كثرا طبيعيون قد يكونون أخطر منه، ونجحت محاولاتها بعد عناء. بدأ “بطلنا” فى النظر لمن حوله، ومحاولة اكتساب مهارات مختلفة عما يمتلكها، بدأ يحتفظ بلسانه داخل فمه، وحاول إثبات أنه الأفضل من خلال روايته لما تقص عليه والدته من قصص للأنبياء، وتمثيلها بشكل حركى، جعل الجميع يهتمون به وجعله قدوة لمماثليه من عمره. صور .. ترك الطفل يلعب بالحدائق والمناطق المخصصة لهم، وركوب المراجيح والزحاليق، أبسط حقوق الأطفال وقد تكون أقصاها فى مجتمعنا، بالنسبة لبطلنا، كانت “نجاح” تصطحب “محمود” للنادى ليلعب مع الأطفال فى الحديقة، دون قلق عليه أو المتواجدين لما أكسبته من خبرات تؤهله للتعامل مع من حوله بشكل طبيعى. وفى أحد المرات، حاولت مساعدة ابنها على ركوب “مرجيحة”، وحدث لم تكن تتوقعه، فوجئت بأمهات الأطفال ينادين أبناءهن لمطالبتهم بالحضور فورا وعدم اللعب مع “محمود”، ومن يرفض الانصراف تأتى والدته لتصحبه بقوة بعيدا عن أماكن تواجده، خوفا عليهم منه أو أن يصيبهم بأى أذى. أولى خطوات العالمية دخل محمود عامه السادس، ليحين موعد إلحاقه بالمرحلة الابتدائية، رفضت مديرة المدرسة قبوله، وقتها وجدت “نجاح” أن لا مجال للإصرار والعناد لما خلق الله طفلها عليه، وبقاؤه وسط باقى التلاميذ، تبدأ رحلة البحث عن المدارس المتخصصة، وتدريبه بمعسكرات ورحلات بمفرده، على حسب الفترة السنية، والتركيز على الرعاية الذاتية، واكتساب مهارات حياتية واجتماعية، لتدريبه على العيش مفرده عقب وفاتها ووالده. وجدت الأم فى الرياضة عالما مناسبا لنجلها، واتخذت قرارا بتدريبه على رياضة السباحة، واشتركت بنادى 6 أكتوبر، واتفقت مع والده أنهما سيجعلان من الرياضة وظيفة لمحمود، لاعتمادها على الجهد البدنى لا العقلى، وأعدت “نجاح” ابنها داخلها منذ ذلك الوقت أنها ستثبت للعالم وجوده للعالم، وتخلق كيانا له مميزا، ليعتز الجميع بمعرفته حينها. وقتها لم تكن تجد لها معاونا بالنادى، والتدريبات مع مدرب خاص لمحمود بمفرده، لكن إصرارها على تنفيذ وعدها له، جعلها تتخذ منه دافعا، لإكمال مشوارهما. إنجازات مع مرور الوقت استطاع محمود المشاركة ببطولتين عالميتين، فاز فى بطولة اليونان 2011 بميداليتين ذهبيتين فى بطولة العالم للسباحة التى نظمت فى العاصمة اليونانية أثينا، وأصبح من الأسماء المشهورة فى بطولات السباحة العالمية. وبالأولمبياد الخاص للسباحة بدولة “بورتوريكو” بأمريكا الجنوبية 2012، ورفع علم مصر عاليا بين الأمم، حصل “محمود” وقتها فى هذه المسابقة على ذهبية 200 متر وذهبية الـ 100 متر، وبرونزية فى 400 متر جماعى. طبيعة بشر كان الجميع لا يشعر بوجود “محمود” إلا عقب تحقيقه لتلك النجاحات المتتالية، لعبت طبيعة البشر والتى دائمة الانجذاب نحو كل ما هو لامع ومميز، ودفعت الجميع وقتها بالفخر بمعرفته وتقديره، لكونه الوحيد من بينهم الحاصل على بطولات عالمية، بالرغم من حصول عدد منهم على شهادات عليا دكتوراة، وبكالوريوس بالهندسة والطب. مع نجاح تجربة “محمود” بدأت والدته بالاشتراك مع عدد من أولياء الأمور تطالب النادى بتوفير مدربين لأبنائهم من ذوى الإعاقات، ووافق مجلس الإدارة وبدأ فى وضع خطط لتنفيذ مطلبهم لتكريم تلك الفئة من الأطفال. التقدير لما حققه بطلنا لم يكن من جانب عائلته وأصدقائه فقط، بل دفع إدارة النادى إلى تكريمه، ورد كرامته له، عقب خلاف وقع بينه وبين مدربه السابق، وتخصيص مبالغ مالية بشكل شهرى لدعمه وتفرغه فى حصد المراكز العالمية. قضية رأى عام فى أوقات الأزمات والشعور بالإحباط التى مرت بها “نجاح”، وجدت ضالتها فى صنع قضية “رأى عام” للاهتمام بكل من هم من ذوى الإعاقات، إلا أنها لم تكن على علاقة بوسائل الإعلام، وعقب ثورة 25 يناير وبروز الدور الذى لعبته شبكة الإنترنت بها، بدأت فى تعلم مهارات العمل على جهاز الكمبيوتر، ومن ثم الدخول إلى موقع التواصل الاجتماعى “الفيس بوك”، لتبحث عن كل من هم مهتمين بتلك الفئة، والمتسببون فى تكريس إعاقتهم. بدأت نجاح بعد عمل عضوية لـ”محمود” على الفيس بوك بالتحدث بلسانه، تتحدث إلى الجميع وتخبرهم أنها هو، لتفرض وجوده فى الحياة الافتراضية، وتحرص على عدم إظهار حقيقة المتحكم بالعضوية إلا فى حال توجيه سؤال يصعب على ابنها الإجابة عليه، ومن أشهر المقولات التى طالما أرسلتها عبر الصفحات المختلفة: “أنا مش ممثل مشهور أو مطرب معروف ولا حتى لاعب كورة، ولكنى بطل قهرت إعاقتى، ونجحت أن أكون بطل العالم فى السباحة عامين متتالين 2011 و2012″. قلب “الأب” حرص “عادل” على تعليم “محمود” مهارات الكمبيوتر، وشبكات الإنترنت، ليجالسهم ويملأ فراغه بما قد يجده مناسبا له، فظل يخصص وقت له بشكل يومى، وبدء فى تركه يتعامل وحده بشكل تدريجى، لم يكن أباه يعامله إلا كونه صديقا. دعم وعود الأم السابقة، عمل على ملازمتهم فى كل مشاويرهم، وأحلامهم، حتى أنه لا يترك محمود ووالدته يحملان حقيبة أغراضه وحدهما، دون اللحاق بهم، مصطحبا بيديه “علم مصر”، لرفعه بالهواء بالتدريبات والبطولات، ليعطى دفعة له للنجاح. علم مصر “الأحمر، والأبيض والأسود” ثلاثة ألوان يمثلون علم مصر يعنون الكثير لمحمود، فهم مصدر لقوته ودافع لنجاحه، أكثر لحظات سعادته عند إمساكه به، ووضعه على كتفيه، لتجده يرفع ذراعيه، ويرسم ابتسامة تعبر عن صفاء ما بداخله، وتعلقه بما يمسكه بيديه. ولم يقبل السفر لمشاركة ببطولات أتينا وأمريكا، إلا عقب زيارة ميدان التحرير وشراء علم كبير، ليكون أول أغراضه بشنطة سفره، وسافر بطلنا، ليكون وحده رافعا علم مصر، وعند إحرازه للمراكز الأولى رفعه فى الهواء، بمشاركة أصدقائه. مجتمع “معاق” يأبى الاعتراف بكافة فئاته عند الحديث مع والدة “محمود” أوضحت أنه حصل على بطولتين عالميتين، واكبتا ثورة 25 يناير، لافتة أنه ناشدا المسئولين حينها لتكريمه وأصدقائه لتحقيقهم مراكز عالمية، لكن دون جدوى، بالرغم من طلب محمود نفسه من خلال مجموعة من البرامج التليفزيونية، مقابلة الرئيس، وطالبه بتكريمه، كما الفنانين ولاعبى الكرة. وأضافت أنها خاطبت الرئيس المعزول محمد مرسى، لكنها لم تستقبل أى ردود أفعال لما تطالب به، مستنكرة رفض الدولة الاعتراف بشريحة كبيرة من أبنائه، مؤكدة على رفضها التعامل معهم كونهم معاقين غير قادرين على الفهم أو إنجاز أية أعمال، وأثبتوا أنهم قادرون على تحدى إعاقتهم والفوز بمراكز عالمية. محمود عادل بطل مصر بالسباحة عامى 2011 و2012 بكلمات بسيطة لم تتجاوز الدقيقتين، تحدث محمود عن نفسه فقال: “أنا اخترت السباحة، ونفسى أسافر أمريكا السنة الجاية، وأكون بطلا عالميا، بدأت ألعب تنس أرضى مع السباحة، وبحب مى عز الدين فى فيلم عمر وسلمى، ماما دايما بتقف جانبى وتساعدنى وبتحبنى زى ما بحبها، وبابا تعب معايا ووقف جنبى لحد ما حققت اللى أنا فيه”.